مذكرات مصرية من الثورة السورية (12)

مذكرات مصرية من الثورة السورية (12)
7 - 11 - 2012

أعترف ..
أعترف أن الرعب تملكني مع سماع صوت أول قذيفة تهبط على المدينة التي أقطنها ..
أعترف أيضا أن الرعب تملكني مرة أخرى عندما سمعت نفس الصوت في المرة الثانية ..
لكن بعد 3 أيام حدث شئ عجيب بداخلي ..
لقد تحطم الخوف والتوتر من هذا الدوي المفزع تماما وصار شيئا معتادا ..
لتبدأ مرحلة جديدة بعد مرحلة قذائف المدافع يمكنك تسميتها بمرحلة (الميج) ..
في لمح البصر تهوي طائرة الميج من علو كبير منقضة على الهدف بطريقة (توشك أن تكون عمودية) ..
ينخلع قلبك وأنت تراها مندفعة نحوك كسهم أرعن ..
ما أقسى الرعب الذي تحدثه إذا أطلقت طلقاتها النارية المصاحبة لانقضاضها والتي تخرق 3 جدران من الحوائط المنزلية ..
ولكنها وقبل أن ترتطم بك بمسافة قريبة تستطيع أن تنحرف برشاقة كبيرة لأعلى وقبل أن تتنقس الصعداء تكتشف أنها قد قذفت أحد صواريخها أو ألقت برميلا متفجرا (أو اللي فيه النصيب) لتترك وراءها دمارا كبيرا ..
ولكي يكتمل هذا المشهد المرعب ينبغي أن تتخيل صوتها المفزع الذي يرج الفضاء والذي يكفي وحده لفتح أبواب المنازل (حتى بدون قصف) والذي عادة ما يصطحب بصرخات نساء وأطفال ليكتمل هذا المشهد الهوليودي المهيب ..

إذا استهدفتك الميج ونجوت من رصاصها الذي لا تطلقه بالعادة إلا على ارتفاع قريب جدا منك سيتحطم بداخلك سور عال جدا من الخوف وستكتشف نفسك من جديد وستشعر كم كنت جبانا قبل هذه المواجهة ..
وهكذا في كل سلاح عسكري يستهدفك ويكتب لك الله النجاة ، حتى تستطيع أن تقول بلغة الألعاب الكمبيوترية الحديثة أنك اجتزت ال Mission أي المرحلة ..

لو لم أستفد من الجهاد وتجربتي بسوريا غير كسر حاجز الخوف من المواجهة الذي بناه الترف والأمن بداخلي لكفى ..

على الطرف الآخر ربما تتعجب تعجبا شديدا إذا قلت لك أن الجهاد يورث رقة في القلب وشفقة ورحمة بالناس يصعب وصفها ولا أدري من أين تتفجر ..
لعل هذه الرحمة مصدرها أن المجاهد هو أكثر من يعرف حجم المآسي التي يخلفها العنف ..
لعل هذه الرحمة مصدرها كم الأحباب الذين فقدهم المجاهد نفسه ..
لعل هذه الرحمة مصدرها الثبات الانفعالي والانضباط النفسي الذي تحدثه المواجهات ..
بالمناسبة .. هذا النمو الفكري والنضج يكشف لك حلولا دبلوماسية تغنيك عن التوغل في سفك الدماء وإزهاق الأرواح ..
لعل هذه الرحمة مصدرها الواجب الإغاثي الذي لا يعرفه الكثيرون عن المجاهد الذي ارتبطت صورته ب(الدراجانوف) وال(بي كي سي) يلف الرصاص خصره وكتفه .. كم قتيل حمله المجاهد وكم مريض داواه المجاهد ، وكم لقمة أطعمها المجاهد لقطة في جوف الليل وقت حراسته محتسبا ( وفي كل كبد رطبة صدقة) ..
لعل هذه الرحمة مصدرها نفحات الرحمن الرحيم في قلوب عباده الصالحين الذين يأتي المجاهدون في مقدمتهم يوم القيامة ..
ما أحب هذا الدعاء لقلبي : اللهم اجعلنا سلما لأوليائك حربا على أعدائك .. قولوا آمين

أحمد ساهر - شام الهوى - إدلب الصمود